لماذا الفلسفة لا تجعلك ملحداً بالضرورة ؟





بناءاً على خلفيتي الدينية والاجتماعية كمغتربة ولدت وترعرت في المملكة في ظل الهيمنة الصحوية وخلفية مجتمعي الصوفية ، نشأت في الصراع المحتدم بين التيارين ، شتان بين ما كنت أدرسه و ما كنت أمارسه مع المقربين خصيصاً .

..
ذلك الصراع المذهبي والنفسي الذي عايشته جعل موهبة الشك تتملكني ، من الصواب يا ترى ؟ المقربين ؟ أم المدرسة ومعلمة التوحيد و أدلتها ؟
في مرحلة من حياتي القصيرة أقنعتني الصحوية ، ثم عاد الشك و دمر كل ما بنته معلمة التوحيد ، أسماء الله وصفاته ، التصوير ، الحجاب ... الخ
من هنا كانت  التساؤلات التي قصمت ظهر البعير ، من هنا كانت الانطلاقة المتواضعة لإيجاد اجابة لهذه التساؤلات القابعة في سجن خواطري ، لأجد تساؤلات أخرى ، و أجيب على أسئلة لم أطرحها ، بدءاً بأسئلة عبثية ومنها إلى أسئلة متمردة انتهاءا لأسئلة طفولية !
..
قرأت كتاباً " لا أتذكر اسمه " مليئاً بمصطلحات لم أفهمها وأنا في السابعة عشرة ، ولكن تلك المراهقة تراءت أنها مصطلحات فلسفية ! وعندما أردت حقاً أن أدرس الفلسفة في الجامعة ؛لأفك شفرات كتابي المنسي ، اكتشفت أنه لا يوجد هذا التخصص في جامعات المملكة وايضاً أن الكثير من علماء الدين قديماً وحديثاً قد حرموها ؛ لأنها مدعاة إلى الضلالة والتيه .
درست بدلاً من ذلك القانون ، كان ممتعاً و ثرياً بمواد  شرعية جعلت التساؤل أكثر حدة في الواقع بدلاً من أن تقتل الشك " صديقي الهامس " قررت أن أعلم نفسي الفلسفة وهذه المرة توجهت إلى مكتبة الجامعة ، بحثت عن قسم الفلسفة ، وكان تحت مسمى (( الفلسفة وعلم النفس )) لقد كان لا شيء ، قليل من الكتب هنا وهناك ، تناولت كتاباً شارح لفكر أرسطو هكذا بدون سابق إنذار أو حتى تمهيد و مقدمات ، لقد كان كارثي ! صعب الفهم ، ولكن من خلال هذا الكتاب علمت لما كتبنا كثيرة الاستشهاد به ؛ لان فلسفته تتفق مع الأديان السماوية في الغائية ، أي كل شيء له سبب ، والله هو السبب الأول .
..
في العشرين ، حاولت أن أدمر كل الموروث ، لم كل هذا الهجوم ؟ أنت أيها الملتحي لم تقنعني حقاً ! أنت سلطوي ، أنت تحاول أن تلجم عقلي بقيودك الفكرية ، اذهب سأجد لنفسي مذهباً ، من هنا كان ديكارت .. أحببت ديكارت ؛ لأنه كان يمثل كل ما أصبو إليه في تلك المرحلة ، تدمير الموروث ومن ثم ايجاد افكار جديدة تناسب الانسانية الحديثة ، ثم زرع الشك " صديقي الهامس " حتى لا نخلق موروث بدلاً من الوحش الذي قتلناه .
..
أتذكر سؤال أستاذة العقيدة : هل أتت الدجاجة أولاً أم البيضة ؟
ذلك السؤال لم يجب عليه أحد في المحاضرة ، وطبعاً كانت الإجابة موجودة مسبقاً في المذكرة .
صديقي الهامس ظل يعيد السؤال مراراً وتكراراً ، الدجاجة أم بيضة .. !!!
هاهي العدمية تطرق بابي ، أصابتني الدهشة عندما دمر شوبنهار مبدأ السببية ، الذي ارتكزت عليه طيلة حياتي ، قال مبدأ السبب دمر السبب ، لاريب في أنه القائل بالدهشة فقد أذاقني إياها .
..
ستقول أيها القارئ : بعد كل هذا التيه هل وجدتِ الإجابات ؟
لأكون صادقة و موضوعية لم أجد الإجابات التي كنت أصبو إليها ، بل خلقت تساؤلات جديدة مصدرها غير بيئتي وثقافتي وصراعاتي المذهبية ، وجدت تساؤلات إنسانية مشتركة تحتاج لإجابات هي الأخرى .
ما أعلمه حقاً ، أنني لم اجد الإجابات ، ولكن وجدت الطريق إليها ، والأدوات والوسائل التي تمكنني من إيجاد الإجابات الشافية ، أو ابداع اجابات جديدة .
..
اجد الإلحاد شكل من أشكال التدين ، أنه اجابه لنفس التساؤلات الأزلية عن الوجود ( الله ، الكون ، الموت ) أنه دين في النهاية !
أجد تعصب الملحدين مضحكاً .. أجده مشابهاً لأي تعصب ، وليس الملاحدة فقط بل كل التيارات الفكرية يؤول بها الحال إلى أن تكون ديناً راديكالياً اذا ما تنبهت لثغراتها !
الطريف أن الفلسفة جعلتني أكثر اقتناعاً بديني ، بالله ؛ لأني أعلم يقيناً انه هو الإجابة التي اخترتها من بين كثير من الإجابات ، احب السلام الذي يمنحني إياه ديني ، قد يجدني نيتشه ساذجة ، وديكارت تقليدية ولكن مالا يقرونه هم أنه وعلى عظم أفكارهم إلا انها اجابة أيضاً قابلة للدحض والاستغناء .
أحياناً الإجابات تكون أمامنا ولكن غوغائية الجموع تجعل أوضح الإجابات ضبابية !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لن أبحث .. هكذا قررت

تباعد

عالقة في الرابعِ و العشرين