وجهة النظر و الحقيقة











على سبيل الجدل ، تخيل معي
أنك تنظر إلى جدار مربع مقسم إلى مربعات أصغر ملونة بألوان مختلفة و مرتبة عشوائياً ، وأنت تحاول اكتشاف نمط ترتيب الألوان ، قمت باستخدام جميع الوسائل والأدوات المتاحة لك ( العين المجردة ، المناظير ، التفكير ، التأمل .. إلخ ) ، حتى وصلت إلى قناعة تامة بأنك اكتشفت نمط الألوان . 

في الجهة الأخرى شخص آخر ، إنسان مثلك ينظر إلى جدار مربع مقسم إلى مربعات أصغر ملونة بألوان مختلفة و مرتبة عشوائياً هي الأخرى ، وظن أنه اكتشف النمط هو الآخر . 

وفي الجهة الثالثة و الرابعة كذلك .. جدران ومربعات ملونة وشخصان ظنا أنهما اكتشافا النمط ! 

السؤال : إلام ننظر ؟ ونمط من هو الصحيح ؟ 
اممم ، ماذا لو نظرنا من الأعلى ؟ مربع آخر ! 
ماذا لو طفنا طوفة كاملة حول الجدار المربع ؟ 
اوه .. أنه مكعب !!! 
.




أتخيل حالنا هكذا عندما نتحدث عن الحقيقة الفكرية ، أحجيات تحتاج إلى حل ، و ألغاز لابد من فكها حتى نستطيع أن نتعايش مع الحياة ، تختلف وسائلنا فتختلف أفهامنا تبعاً لذلك ، تغاير أمزجتنا و ايدلوجيتنا أدى أيضاً إلى تباين تفاعلنا مع الحياة . 

لطالما شدت انتباهي المذاهب الفقهية والعقدية ، بما أني شخص نشأ نشأة دينية ، لماذا قال المذهب الفلاني كذا والآخر كذا !!!! كيف توصل ذلك العالم إلى ذلك الاستنتاج والآخر إلى استنتاج مغاير ! من المحق ؟ كان ذلك السؤال .
يدهشني الاختلاف حتى في الأيدولوجية الواحدة ، أهل الحديث وأهل الرأي ، شيعة ، سنة ، متصوفة ، شوافع ، حنابلة ، معتزلة ... إلى آخره. 
كلاً له برهان و حجة لا تستطيع إنكار قوتها ! 
ما يزعجني حقاً هو أننا نتقاتل بسبب ذلك ! نحن ابناء الايدولوجية الواحدة ! نحكم على بعضنا بالكفر والتخليد في نار جهنم رغم من أننا نتفق على : (( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)) . 

في هذا العالم الكثير من الاختلاقات والتأويلات على مر الأزمنة والأمكنة  ، في كل زمان و مكان تأويل يضع التأويل السالف على المذبح ، ليحل التأويل الثوري الحديث محله . 
طموحات المفكرين والفلاسفة تحاول تغيير العالم صائحة بأنها الخلاص ... اللبيرالية ، الإمبريالية ، الاشتراكية .. إلى آخره. 

قيمنا الأخلاقية و ايدولجيتنا  تترنح بين العدمية و الشكوكية إلى الدوغمائية و الراديكالية ، يتساءل جيلنا " العربي والإسلامي "  عن المثلية ، المرأة ، الدين ، الحرية ! دون محاولة جادة للبحث عن إجابة على الرغم  من ضغط العولمة المهول والانفتاح الإعلامي والفكري ، الإجابة تكمن في النقد الموضوعي لايدلوجتنا  دون تدميرها ، وخلق نسخة جديدة مطورة ومحدثة . 

لا أحد يحتكر الحقيقة ، ما تعتبره مسلماً به لم يكن ليكون كذلك لولا اختيارك له أو تم تنشأتك عليه ، كلها وجهات نظر وتأويلات .. عش مع هذه الحقيقة ! 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لن أبحث .. هكذا قررت

تباعد

عالقة في الرابعِ و العشرين